فصل: تفسير الآية رقم (94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (62- 70):

{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}
{ويجعلون لله ما يكرهون} لأنفسهم، وذلك هو البنات، أَيْ: يحكمون له به، {وتصف ألسنتهم الكذب} ثمَّ فسَّر ذلك الكذب بقوله: {أنَّ لهم الحسنى} أَي: الجنَّة والمعنى: يصفون أنَّ لهم مع قبح قولهم الجنَّة إن كان البعث حقّاً، فقال الله تعالى: {لا} أَيْ: ليس الأمر كما وصفوه {جرم} كسب قولهم هذا {أنَّ لهم النار وأنَّهم مُفرْطون} متروكون فيها. وقيل: مُقدَّمون إليها. وقوله: {فهو وليُّهم اليوم} يعني: يوم القيامة، وأُطلق اسم اليوم عليه لشهرته، وقوله: {لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} أَيْ: تُبيِّن للمشركين ما ذهبوا فيه إلى خلاف ما يذهب إليه المسلمون، فتقوم الحجَّة عليهم ببيانك. وقوله: {وهدى} أَيْ: والهداية والرَّحمة للمؤمنين. وقوله: {والله أنزل} ظاهرٌ إلى قوله: {يسمعون} أَيْ: سماع اعتبار. يريد: إنَّ في ذلك دلالة على البعث.
{وإنَّ لكم في الأنعام لعبرة} لدلالةً على قدرة الله تعالى ووحدانيَّته {نسقيكم مما في بطونه من بين فرث} وهو سرجين الكرش {ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين} جائزاً في حلوقهم.
{ومن ثمرات} أَيْ: ولكم منها ما {تتخذون منه سكراً} وهو الخمر. نزل هذا قبل تحريم الخمر {ورزقاً حسناً} وهو الخلُّ والزَّبيب والتَّمرُ {إنَّ في ذلك لآية لقومٍ يعقلون} يريد: عقلوا عن الله تعالى ما فيه قدرته.
{وأوحى ربك إلى النخل} ألهمها وقذف في أنفسها {أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر} هي تتَّخذ لأنفسها بيوتاً إذا كانت لا أصحاب لها، فإذا كانت لها أرباب اتِّخذت بيوتها ممَّا تبني لها أربابها، وهو قوله: {ومما يعرشون} أَيْ: يبنون ويسقفون لها من الخلايا.
{ثمَّ كلي من كلِّ الثمرات فاسلكي سبل ربك} طرق ربِّك تطلب فيها الرَّعي {ذللاً} منقادة مُسخَّرة مطيعة {يخرج من بطونها شراب} وهو العسل {مختلف ألوانه} منه أحمر وأبيض وأصفر {فيه} في ذلك الشَّراب {شفاء للناس} من الأوجاع التي شفاؤها فيه.
{والله خلقكم} ولم تكونوا شيئاً {ثمَّ يتوفاكم} عند انقضاء آجالكم {ومنكم مَنْ يردُّ إلى أرذل العمر} وهو أردؤه، يعني: الهرم {لكيلا يعلم بعد علم شيئاً} يصير كالصبيِّ الذي لا عقل له. قالوا: وهذا لا يكون للمؤمنين؛ لأنَّ المؤمن لا ينزع عنه علمه وإن كبر {إنّ الله عليم} بما يصنع {قدير} على ما يريد.

.تفسير الآيات (71- 75):

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)}
{والله فضَّل بعضكم على بعض في الرزق} حيث جعل بعضكم يملك العبيد، وبعضكم مملوكاً {فما الذين فضلوا} وهم المالكون {برادي رزقهم} بجاعلي رزقهم لعبيدهم، حتى يكونوا عبيدهم معهم {فيه سواء} وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للمشركين في تصييرهم عباد الله شركاء له، فقال: إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء في الملك، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء؟ {أفبنعمة الله يجحدون} حيث يتَّخذون معه شركاء.
{والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً} يعني: النِّساء {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} يعني: ولد الولد {ورزقكم من الطيبات} من أنواع الثِّمار والحبوب والحيوان {أفبالباطل يؤمنون} يعني: الأصنام، {وبنعمة الله هم يكفرون} يعني: التَّوحيد.
{ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات} يعني: الغيث الذين يأتي من جهتها {والأرض} يعني: النَّبات والثِّمار {شيئاً} أَيْ: قليلاً ولا كثيراً {ولا يستطيعون} لا يقدرون على شيء.
{فلا تضربوا لله الأمثال} لا تشبِّهوه بخلقه، وذلك أنَّ ضرب المثل إنَّما هو تشبيه ذاتٍ بذاتٍ، أو وصفٍ بوصفٍ، والله تعالى منزَّه عن ذلك {إنَّ الله يعلم} ما يكون قبل أن يكون {وأنتم لا تعلمون} قدر عظمته حيث أشركتم به.
{ضرب الله مثلاً} بيَّن شبهاً فيه بيانٌ للمقصود، ثمَّ ذكر ذلك فقال: {عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء} لأنَّه عاجرٌ مملوكٌ لا يملك شيئاً، وهذا مثَلٌ ضربه الله لنفسه ولمَنْ عُبِدَ دونه. يقول: العاجز الذي لا يقدر أن ينفق، والمالك المقتدر على الإِنفاق لا يستويان، فكيف يُسوَّى بين الحجارة التي لا تتحرَّك، وبين الله الذي هو على كلِّ شيء قدير، وهو رازقُ جميع خلقه، ثمَّ بيَّن أنَّه المستحقُّ للحمد دون ما يعبدون من دونه فقال: {الحمد لله} لأنَّه المنعم {بل أكثرهم لا يعلمون} يقول: هؤلاء المشركون لا يعلمون أنَّ الحمد لي؛ لأنَّ جميع النِّعم مني، والمراد بالأكثر ها هنا الجميع، ثمَّ ضرب مثلاً للمؤمن والكافر.

.تفسير الآيات (76- 82):

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)}
{وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء} من الكلام، لأنَّه لا يَفْهم ولا يُفهم عنه {وهو كَلٌّ} ثِقْلٌ ووبالٌ {على مولاه} صاحبه وقريبه {أينما يوجهه} يرسله {لا يأت بخير} لأنَّه عاجزٌ لا يَفهم ما يقال له، ولا يُفهم عنه {هل يستوي هو} أَيْ: هذا الأبكم {ومَنْ يأمر بالعدل} وهو المؤمن يأمر بتوحيد الله سبحانه {وهو على صراط مستقيم} دينٍ مستقيمٍ، يعني: بالأبكم أُبيَّ بن خلف، وكان كلاًّ على قومه؛ لأنَّه كان يؤذيهم، ومَن يأمر بالعدل حمزة بن عبد المطلب.
{ولله غيب السموات والأرض} أَيْ: علم ما غاب فيهما عن العباد {وما أمر الساعة} يعني: القيامة {إلاَّ كلمح البصر} كالنَّظر بسرعةٍ {أو هو أقرب} من ذلك إذا أردناه، يريد: إنه يأتي بها في أسرع من لمح البصر إذا أراده. {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} أَيْ: غير عالمين {وجعل لكم السَّمْعَ والأبصار} أَيْ: خلق لكم الحواسَّ التي بها يعلمون، ويقفون على ما يجهلون.
{ألم يروا إلى الطير مسخرات} مذلَّلاتٍ {في جوِّ السماء} يعني: الهواء، وذلك يدلُّ على مُسخِّرٍ سخَّرها، ومدبِّرٍ مكَّنها من التَّصرُّف {ما يُمسكهنَّ إلاَّ الله} في حال القبض والبسط والاصطفاف.
{والله جعل لكم من بيوتكم سكناً} موضعاً تسكنون فيه، ويستر عوراتكم وحرمكم، وذلك أنَّه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت {وجعل لكم من جلود الأنعام} يعني: الأنطاع والأدم {بيوتاً} وهي القباب والخيام {تستخفونها يوم ظعنكم} يخفُّ عليكم حملها في أسفاركم {ويوم إقامتكم} لا يثقل عليكم في الحالتين {ومن أصوافها} يعني: الضَّأن {وأوبارها} يعني: الإِبل {وأشعارها}، وهي المعز {أثاثاً} طنافس وأكسية وبُسطاً {ومتاعاً} تتمتَّعون به {إلى حين} البلى.
{والله جعل لكم مما خلق} من البيوت والشَّجر والغمام {ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً} يعني: الغِيران والأسراب {وجعل لكم سرابيل} قمصاً {تقيكم الحر} تمنعكم الحرَّ والبرد، فترك ذكر البرد؛ لأنَّ ما وقى الحرَّ وقى البرد، فهو معلوم {وسرابيل} يعني: دروع الحديد {تقيكم} تمنعكم {بأسكم} شدَّة الطَّعْن والضَّرب والرَّمي {كذلك} مثل ما خلق هذه الأشياء لكم {يتمُّ نعمته عليكم} يريد: نعمة الدُّنيا، والخطاب لأهل مكَّة {لعلَّكم تسلمون} تنقادون لربوبيته فتوحِّدونه.
{فإن تولوا} أعرضوا عن الإِيمان بعد البيان {فإنما عليك البلاغ المبين} وليس عليك من كفرهم وجحودهم شيء.

.تفسير الآيات (83- 87):

{يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)}
{يعرفون نعمة الله ثمَّ ينكرونها} يعني: الكفَّار، يُقرُّون بأنَّها كلَّها من الله تعالى ثمَّ يقولون بشفاعة آلهتنا، فذلك إنكارهم {وأكثرهم} جميعهم {الكافرون}.
{ويوم} أَيْ: وأنذرهم يوم {نبعث} وهو يوم القيامة {من كلِّ أمة شهيداً} يعني: الأنبياء عليهم السَّلام يشهدون على الأمم بما فعلوا، {ثم لا يؤذن للذين كفروا} في الكلام والاعتذار {ولا هم يستعتبون} ولا يُطلب منهم أن يرجعوا إلى ما يرضي الله تعالى.
{وإذا رأى الذين ظلموا} أشركوا {العذاب} النَّار {فلا يخفف عنهم} العذاب {ولا هم ينظرون} يمهلون.
{وإذا رأى الذي أشركوا شركاءهم} أوثانهم التي عبدوها من دون الله {قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا} وذلك أنَّ الله يبعثها حتى تُوردهم النَّار، فإذا رأوها عرفوها، فقالوا: {ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول} أَيْ: أجابوهم فقالوا لهم: {إنكم لكاذبون} وذلك أنَّها كانت جماداً ما تعرف عبادة عابديها، فيظهر عند ذلك فضيحتهم حيث عبدوا مَن لم يشعر بالعبادة، وهذا كقوله تعالى: {سيكفرون بعبادتهم} {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} استسلموا لحكم الله تعالى {وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون} بطل ما كانوا يأملون من أنَّ آلهتهم تشفع لهم.

.تفسير الآيات (89- 92):

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
{ويوم نبعث في كلِّ أمَّة شهيداً} وهو يوم القيامة، يبعث الله في كلِّ أُمَّةٍ شهيداً {عليهم من أنفسهم} وهو نبيُّهم؛ لأنَّ كلَّ نبيٍّ بُعث من قومه، {وجئنا بك شهيداً على هؤلاء} على قومك، وتمَّ الكلام ها هنا، ثمَّ قال: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً} بياناً {لكلِّ شيء} ممَّا أُمر به ونُهي عنه.
{إنَّ الله يأمر بالعدل} شهادة أن لا إله إلاَّ الله {والإِحسان} وأداء الفرائض، وقيل: بالعدل في الأفعال، والإِحسان في الأقوال {وإيتاء ذي القربى} صلة الرَّحم، فتؤتي ذا قرابتك من فضل ما رزقك الله. {وينهى عن الفحشاء} الزِّنا {والمنكر} الشِّرك {والبغي} الاستطالة على النَّاس بالظُّلم {يعظكم} ينهاكم عن هذا كلِّه، ويأمركم بما أمركم به في هذه الآية {لعلكم تذكرون} لكي تتَّعظوا.
{وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} يعني: كلَّ عهدٍ يحسن في الشريعة الوفاء به {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} لا تحنثوا فيها بعد ما وكَّدتموه بالعزم {وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} بالوفاء حيث حلفتم، والواو للحال.
{ولا تكونوا كالتي نقضت} أفسدت {غزلها} وهي امرأة حمقاء كانت تغزل طول يومها، ثمَّ تنقضه وتفسده {من بعد قوة} الغزل بإمراره وفتله {أنكاثاً} قطعاً، وتمَّ الكلام ها هنا، ثمَّ قال: {تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم} أَيْ: غشَّاً وخديعةً {أن تكون} بأن تكون أو لأن تكون {أمة هي أربى من أمة} أَيْ: قوم أغنى وأعلى من قوم، وذلك أنهم كانوا يحالفون قوماً فيجدون أكثر منهم وأعزَّّ، فينقضون حلف أولئك، ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزُّ، فنُهوا عن ذلك. {إنما يبلوكم الله به} أَيْ: بما أمر ونهى {وليبينن لكم يومَ القيامة ما كنتم فيه تختلفون} في الدُّنيا، ثمَّ نهى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عاهدوه على نصرة الإِسلام عن أيمان الخديعة.

.تفسير الآية رقم (94):

{وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)}
{ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزلَّ قدمٌ بعد ثبوتها} تزلّ عن الإِيمان بعد المعرفة بالله تعالى، وهذا إنَّما يستحقُّ في نقض معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصرة الدِّين {وتذوقوا السوء} العذاب {بما صَدَدتُم عن سبيل الله} وذلك أنَّهم إذا نقضوا العهد لم يدخل غيرهم في الإِسلام، فيصير كأنهم صدُّوا عن سبيل الله وعن دين الله.